إن قطار التعليم بدا في الانحراف بشكل مخيف وخاصة في التعليم العام , وكلما حاولت التأمل والتفكير في هذا العالم أجد أني في حيرةً من أمري , ولكن عندما نُبحر في هذا العالم , وخاصة التعليم في القرون السابقة نجد أن نفتقد كثير من الحلقات المترابطة , ووجود كثير من المعوقات التي تجعلنا نعيش في عالم متخبط وغير منتج وفعال . وعندما نقوم بمقارنة بسيطة نجد الفرق الكبير والأثر النفسي الذي سيتأثر فيه كثير من المعلمين والمربيين الجادين والمحبين للتريبة أولاً , والمحبين للمهنة التعليم والتدريس ثانياً .
أن المعلم هو العمود الفقري لعملية التعليم ومحورها الأساسي , وهو احد زوايا وأضلاع المثلث في المدرسة , وقطب الدائرة في التربية ,وهمزة الوصل بين الطالب والمعرفة
لقد شهد التاريخ للمعلم بالرفعة والأحترام , فكان تاج الرؤوس ذا هيبة ووقار لا يجارى ولا يبارى في المجتمع فهو الأمين المستشار وهو اللب الحنون البار لدى الكبار والصغار , وقاضيهم عند النزاع والشجار, وهو كالسراج ينير الدرب للسالك يروي العقول والأفكار ويحرسها من شبه الأشرار. هذه حقيقة ما كان عليه العلم في السابق وهكذا عرف في المجتمع , وأوصافه لا تكاد تجمع لأحد يعرف بها غيره بين الناس
وكذلك ما يقع في عين الآخرين من الإحلال والتقدير والإكرام لهذا الشخص (( المعلم)) خصوصاً من قبل أبنائه الطلبه الذين يفترض أن ينظروا إليه بثلاثة أعين عين الحب وعين الخوف وعين الحياء ,و هذه الهيئة تطلب الهيبة
فكان الطالب يهاب أستاذه أينما رآه لأن أباه هكذا رباه فمن يجرؤ على رفع بصره فضلاً أن ينطق ببنت شفة إلا ما كان في محله وان لم يمنعهم الخوف فلا أقل من الحياء وعندما يتكلم المعلم عندهم فالآذان صاغية والقلوب واعية والأبصار شاخصة , وما حملهم على ذلك غير الحب للمعلم
وكذلك الحب للعلم وما يحمله , وعلى هذا الحال نشأوا وتربوا وترعرعوا , فعرفوا أنفسهم ولم يتجاوزوا قدرهم , وعرفوا من علمهم فقاموا بحقه ثم بعد ذلك تعلموا العلم فعملوا به وعلموه
تذكرت قولة الشاعر أحمد شوقي في المعلم
قم للمــــــــعلم وفه التبجيلا ** كاد المعلم أن يكون رسولا
أرأيت أعظم أو أجل من الذي ** يبني وينشئ أنفسنا وعقولا
فهكذا كانوا وهذه هي أخبارهم ولذا فقد جنوا نتاج الجهد والبذل والتقدم
أما المعلم اليوم فإن القلب ليتقطع حسرة وهو بين جدران المدارس النظامية
لا يكاد يسلم من أذى اللسان في السر والعلن , فاستوي عند الطالب ظهر المعلم ووجهه . بل أصبح الطالب يكنُ له العداوة والبغضاء ويتربص به الدوائر أينما وجده لينتقم منه , ولكن هذا ليس في جميع الطلاب ولكن البعض منهم .
أما حاله في الفصل الدراسي فحدث ولا حرج الأعاجيب لا تنقضي , فإن تكلم المدرس بتوبيخ أو عتاب جاء القصاص بالمثل وإن سكت المدرس أو أحال على الإدارة قيل عنه : الخائف الجبان , وإن أدار وجهه إلى اللوح ليكتب مستخدماً وسائل الإيضاح ارتفع الصياح والنباح دون إن يأمن الحذف والقذف . وإن تأخر دقيقة عن دخول الفصل سعد الطلاب فقلبوا الدرس عرساً , وإن تقدم ثواني ربما طردوه لأن الحصة لم تبدأ بعد , وإن انتهت الحصة بقرع الجرس ولما ينهي كلامه تركوه ولا كرامة
هذا قليل من كثير , فخلاصة القول إن صناعة هيبة المعلم هو الهدف الذي يجب أن نسعى عليه للانطلاقة جديدة في آفاق التربية والتعليم
وما لم نحقق ذلك فلن نجد غير سراب العلم والتقدم الذي يحسبه غير الخبير شيئاً وليس هو كذلك , ولو شيدنا المباني وقومنا المناهج لن ننهض في غياب هيبة العلم , وذلك يعني عدم التأثر بالمعلم الذي هو رأس مال الطالب , وبالتالي لن يحصل الطالب على أي فائدة تربوية أو علمية
وحينئذ سنقول بكل أسف : على التربية وعلى التعليم السلام
ولقد ذكر أهل العلم الهيبة وأثرها على النفس
قال ابن القيم أن المهابة أثر امتلاء القلب بمهابة الرب ومحبته و وإذا امتلأ بذلك بذلك حل فيه النور ولبس رداء الهيبة , فاكتسى وجهه الحلاوة والمهابة فحنت إليه الأفئدة وقرت به العيون
وقال المغيرة : كنا نهاب إبراهيم النخاعي كما يهاب الأمير
وقال ابن الخياط يمدح مالك بن انس :
يدع الجواب فلا يراجع هيبته ** والسائلون نواكس الأذقان
نور الوقار وعز سلطان التقي ** فهو المهيب وليس ذا سلطان
والمعلم هو نقطة البداية والانطلاقة للتربية الجادة وللتعليم الأمثل ولا يقوم اى مجتمع إسلامي على الأرض ألا بنهوض المعلم والمعرفة بقدره والاعتراف بفضله والقيام بحقه والعودة به إلى مكانته وسلطانه في المدرسة والبيت وفي نفوس الأبناء والطلاب ولنعيد له هيبته المفقودة ومنزلته اللائقة في المجتمع وهذه هي الغاية المنشودة التي لا يساوم عليها ولايعدل عنها إلى غيرها